كشف فريق بحثي من قسم الأنثروبولوجيا بجامعة كاليفورنيا ديفيس الأميركية، أن النياندرتال كانوا دقيقين في اختيار أدواتهم اليومية بشكل يوحي بأنهم امتلكوا درجات من الثقافة أكثر تعقيدا مما كان الوسط البحثي يظن بهذه الكائنات.
النياندرتال (Homo Neanderthalensis) هم أقرب أقرباء البشر من الجنس الإنساني، أو “جنس الهومو”، عاشوا قبل نحو 400 ألف إلى 40 ألف سنة مضت، وانتشروا في شريط جغرافي طويل يمتد بين جنوب أوروبا حتى وسط آسيا.
اختيارات دقيقة
وجاء في الدراسة التي نشرت في دورية “ساينتفك ريبورتس” في 8 مايو/أيار الجاري، أن فحصا لبقايا النياندرتال في مجموعة من الكهوف الفرنسية، أشار إلى أنهم كانوا يستخدمون أجزاء مسننة من ضلوع الحيوانات لقطع وتنعيم الجلود من أجل تحويلها إلى ملابس أو أغطية.
وبعد فحص متعمق لبقايا الكولاجين الضئيلة في تلك الأدوات، باستخدام مطياف كتلة عالي الدقة، وجد أنها تؤخذ من عائلة واحدة من الحيوانات، وهي عائلة الماشية، مثل البيسون والأرخص، وهي كائنات منقرضة من أقرباء الماشية المعروفة الآن مثل الأبقار.
وبحسب الدراسة الجديدة، فإن النياندرتال كانوا دقيقين في تحديد أدواتهم ولا يستخدمون ما يقع أمامهم بالصدفة، فأضلاع المواشي أكبر وأقوى، وكانوا عادة ما يجمعونها بطريقة منظمة من أجل مهام بعينها.
يشير ذلك إلى أنهم كانوا أكثر ذكاءً، وكانوا أصحاب ثقافة أكثر تعقيدا مما اعتقد الباحثون سابقا، وكانت هناك فرضية سائدة في هذا النطاق البحثي منذ اكتشاف النياندرتال قبل أكثر من قرن من الآن، تقول إن لهم طابعا حيوانيا، لكن خلال العقدين الماضيين كانت هناك دلائل على خطأ تلك الفرضية.
ثقافة معقدة
على سبيل المثال، كانت دراسة قد نشرت في دورية “ساينس” في مارس/آذار الماضي، وكشفت عن سجل محفوظ بشكل فريد للاستخدام المكثف والمنتظم والطويل الأجل للموارد الساحلية (كعمليات صيد الأسماك) من قبل النياندرتال قبل حوالي 100 ألف سنة مضت.
قبل هذا الكشف كان يُظَنّ أن البشر المعاصرين فقط هم من امتلكوا تلك القدرة على تنويع مصادر طعامهم، وهو ما أكسبهم القدرة على الانتشار والتوسع في جوانب الأرض كافة.
من جهة أخرى، كانت دراسة صادرة مؤخرا من جامعة كامبردج قد أشارت إلى أن دفن النياندرتال لموتاهم كان متعمدا، بل أضاف الباحثون من جامعة كامبردج أن هذا الدفن ربما تضمن طقوسا مثل إلقاء الورود على جثث الموتى، وهو طقس متقدم ثقافيا كان الباحثون يظنون أنه حكر على الإنسان العاقل.
في كل الأحوال، فإن المشكلة الكبرى التي تواجه الباحثين في هذا النطاق هي صعوبة استنتاج الكثير من المفردات الثقافية لكائنات لم يتبق منها إلا القليل من العظام، لكن شيئا فشيئا تتقدم تقنيات الفحص وتزداد أعداد الحفريات، مما قد يعطينا مستقبلا الفرصة لكشف أسرار أقربائنا من بني النياندرتال.
المصدر : الجزيرة
Nilenbert, Nicolas Perrault III Credit
خارطة إنتشار النياندرتال بالنظر إلى المواقع التي عثر فيها على آثار للنوع
مجموعة من الأدوات التي وجدها باحثون من جامعة كاليفورنيا في كهوف فرنسية (يوريك ألرت) مجموعة من الأدوات التي وجدها باحثون من جامعة كاليفورنيا في كهوف فرنسية (يوريك ألرت)